طباعة هذه الصفحة

في عرض ابراهيم معلوف في قرطاج.. لم يعلو صوت على صوت الموسيقى

By بقلم: رياض سكمة تموز/يوليو 27, 2025 73

 "لست سياسيا لكن ما يحدث من تجويع وحرب في غزة مؤلم، لا يمكنني العزف دون الإشارة الى نضالاتهم ووجعهم، هدفي ليس السياسة ولكنني انسان وأب" الفنان ابراهيم معلوف خلال العرض الموسيقي الذي قدمه على ركح المسرح الروماني بقرطاج 

عشقي لموسيقى الجاز وصوت الترونبيت دفعاني إلى مواكبة عرض العازف والمؤلف الموسيقي العالمي ابراهيم معلوف رفقة فرقة "أبواق مايكل أنج" والذي أحياه يوم السبت 26 جويلية 2025 ضمن فعاليات الدورة التاسعة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي وواكبه قرابة السبعة آلاف متفرج.

فالمعلومات التي لدي عن هذا الفنان الذي غادر لبنان صغيرا رفقة عائلته هربا من ويلات الحرب الأهلية ليستقر في فرنسا شحيحة وقليلة لكنها تضاعفت بعد الحفل ويبدو أنني أصبحت من عشاق فنه كيف لا وقد قدم على ركح المسرح الروماني بقرطاج عرضا موسيقا مبهجا إن جاز التعبير فالموسيقى التي قدمها تدخل البهجة إلى نفوس مستمعيها وتزيل عنهم جانبا من ضغوطا الحياة اليومية التي دفعتهم إلى اقتطاع تذكرة وحضور حفل فني للترويح عن النفس تحت شعار "لنا الفن حتى لا تميتنا الحقيقة"...

وفي تقديري هذا الحفل حقق مراد من واكبه سواء بدافع عشق الموسيقى التي يقدمها ابراهيم معلوف أو بدافع الفضول كما هو الحال بالنسبة لي فقد استطاع معلوف رفقة فرقته التي تضم تسعة عازفين بينهم خمسة على الترنبيت وعازف على الساكسفون وعازفين على القيثارة الالكترونية وعازف على آلة الباتري وكلهم يرتدون زيا موحدا (ملابس صيفية سوداء اللون وحذاء رياضي أبيض للتنقل بأريحة فوق الركح) من تقديم موسيقى آلاتية شدت الحاضرين من مختلف الأعمار فتمايلوا على ايقاعها من بداية الحفل إلى نهايته.

وفي هذا الحفل الذي استمر قرابة التسعين دقيقة تقمص الفنان ابراهيم معلوف عدة أدوار في ذات الوقت، فكان العازف البارع على الترنبيت التي ورثها عن والده ولا تشبه مثيلاتها، وكان منشط الحفل يقدم فقراته بكل أرحية، وكلما شعر بنزول ايقاع الحفل يوقف الفرقة ويشرك الجمهور في العرض سواء بمطالبته بالوقوف أو بالرقص أو بإعادة ترديد النغمات الموسيقية التي يلقنها لهم ويجعلهم بعد ذلك كورالا يرافق فرقته في عزفها فيزيد ذلك من متعة الحفل وجماله.

كما تقمص الفنان ابراهيم معلوف في هذا الحفل دور قائد الفرقة مع الاشادة بالعازفين الذين معه وبخبرتهم ومهارتهم، وكان بين الحين والآخر يرقص مع الجمهور ومع الراقصة الوحيدة التي كانت رفقة فرقته والتي ابهرت الجمهور بخفتها ورشاقتها.

وخلال هذا الحفل الرائق والناجح جماهيريا وفنيا وتنظيميا لم يلتزم ابراهيم معلوف بنمط موسيقي واحد فقد انتقل ببراعة بين عدة انماط فنية عالمية لكن مع لمسة شرقية، ومن بين هذه الانماط نذكر الجاز والبوب والروك، وكان الخيط الرابط بين القطع الموسيقية المعزوفة والغير مصحوبة لا بكلمات ولا بكورال ولا بمنشدين، أجواء الإحتفال بالزواج في جميع مراحله بدأ بطلب موفقة الشريكة وصولا إلى الزواج ومرورا بالخطوبة... وقد أكد معلوف على هذه المسألة عدة مرات خلال السهرة مشيرا أن فكرة العرض مستمدة بالاساس من حفل زفافه الذي تم سنة 2020 على الفنانة اللبنانية هبة طوجي ومن الأجواء الفنية والطربية والارتجالات الموسيقة التي رافقته والتي تم فيما بعد الاشتغال عليها وصنع عرض طريف ومتكامل انطلاقا منها  وهي موجودة في ألبوم يحمل عنوان"ترومبيت مايكل أنجلو". 

وفي ختام الحفل دعى ابراهيم معلوف عشاق فنه إلى متابعة جديده واخباره عبر صفحته في انستغرام، وطلب من عشاق الترنبيت إلى الاتحاق "باكاديمية مايكل أنجلو" التي يقدم فيها دروس تعليم مجانية على ترنبيت من ابتكار والده واسمها "توما"، مشيرا إلى أن عددا من طلبته المتميزين يشاركونه فرحة لقاء الجمهور في المهرجانات الكبرى ومن بينهم طالب وطالبة نالا شرف العزف على ركح قرطاج رغم صغر سنهما.

وقد كانت جل القطع الموسيقية المعزوفة في سهرة ابراهيم معلوف على ركح المسرح الروماني بقرطاج من تأليفه باستثناء  معزوفتبن الأولى موسيقى أغنية "سيدي منصور" وهي تحية لتونس وجمهور مهرجان قرطاج الدولي والثانية موسيقى أغنية "سألوني الناس" وهي تحية لروح المبدع الكبير زياد الرحباني، وقد انشدها الجمهور الحاضر بانسجام كبير مع الفرقة.

وقد أكد هذا الحفل الذي حضر فيه العازفون وغاب عنه المطربون أن جماهير مهرجان قرطاج الدولي تعشق كل جميل كما يقول الشاعر التونسي المصري الكبير محمود بيرم التونسي، وسهرة ابراهيم معلوف أكدت أن ملأ مدرجات المسرح الروماني بقرطاج وامتاع الحاضرين غير مقتصر على المطربين والمسرحيين فللعازفين والمؤلفين الموسيقيين امكانية تحقيق ذلك كما هو الشأن مع الفنان ابراهيم معلوف وذلك يتطلب دون شك الاعداد الجيد للحفل وامتلاك العازف المبدع عرضا موسيقا متكاملا فيه سيناريو واضح ومشهدية تشد المتلقي من أول عرض إلى نهايته  إضافة إلى حسن تعامله مع الحفل ومستجداته والأهم من كل ذلك "التواضع المعرفي" وهي خصلة من خصال المبدع ابراهيم معلوف، وعن هذه الخصلة قال الشاعر:

تواضعْ تكنْ كالنَّجمِ لاح لناظرٍ  على صفحاتِ الماءِ وهو رفيعُ.

ولا تكُ كالدُّخانِ يعلو بنفسِه   إلى طبقاتِ الجوِّ وهو وضيعُ.

بقلم: ر.س

آخر تعديل في الأحد, 27 تموز/يوليو 2025 18:34